‌فضاء كالقفص هيفاء بيطار ‌امرأة من هذا العصر•‌S.M.S•SMS

‌فضاء كالقفص

غير متاح

ومن شرفة غرفتي في الطابع السابع، لم يبدُ من بحر بيروت سوى شريط رفيع بعيد. أخذت نفساً عميقاً، وجلست على المقعد في انتظار القهوة والفطور، صفعني خيالي بصورة زوجي الكهل، يشرب قهوته على الشرفة الفسيحة، والبحر سخيّ أمامه، وعلى الرغم من كرهي الصريح له، أحسست بشفقة حقيقية عليه، تلك الشفقة التي يثيرها الكهول في أنفسنا. وضع النادل صينية الفطور الشهيّ على طاولة صغيرة على الشرفة، شكرته، وأنا أنقده بخشيشاً، جعله ينحني لي. ومن أوّل رشفة قهوة، سالت دموعي بسلاسة، كما لو أنها تفيض من بحيرة راكدة في أعماقي. رحبت بالبكاء، فهو يساعدني على التحلل من توتري. غريب كم تعطيني القهوة نشوة روحية حقيقية. ومع الفنجان الثالث، حاولت أن أستوضح فكرة تعذبني، لكني لا أجد إليها سبيلاً. كان عليّ أن أبدأ في فهم حياتي انطلاقاً من فكرة، لكن لِمَ تستعصي على هذه الفكرة وتعاندني؟ لا يجب أن أتجاهل تعبي وتوتري، فأنا لا أعي من ذاتي سوى قلبي المشروخ بحب كبير. ترى من أين أبدأ؟ لكن هل من الضروري، أن نبدأ دوماً من نقطة معينة، كي نستجلي أمراً يعذبنا؟ الخبز الطريّ أشعرني بالجوع. أكلت بشهية زبدة مع مربى الفريز. صفعني وجهه، يحدق بي بنظرات مؤنبة، بوجوب ابتعادي عن السكريات والدسم. أدركت أني سأحتاج إلى زمن طويل، كي أمحو صورته، وتحديداً لأتخلص من سموم هذا الرجل. هل الرجل سمٌّ؟ يجب أن أبرأ منه. وجدت نفسي أنتفض فجأة. أشمر عن ساعدي، كما لو أنني سأستأنف شجاراً. أحدّق بأوراق بيضاء على الطاولة.. وجدتني أكتب من دون تفكير: أنتظر كرهك لأردّ عليه بكره أكبر. فاجأتني هذه البداية. تحررت من ثيابي. فتحت حقيبتي وأخرجت قميصاً فضفاضاً أزرق اللون، يعطيني هدوءاً وراحة. وعيت كم أن ألم روحي حادّ. ترددت، هل أبتلع حبة مهدئة، أم أتحمل أوجاعي النفسية. لكني تنبهت إلى أن الألم أعطاني حساسية مرهفة، أشبه بذكاء خاص. حدّست أني سأتمكن من تشريح وضعي بدقة هائلة، كما لو أنني أدخل نفسي تحت المجهر الإلكتروني.في قصصها هيفاء بيطار مناخات حياتية وفضاءات إنسانية تفتح أمام القارئ نوافذ يطل من خلالها على ذلك الكائن الحي الذي اسمه المرأة. تقتحم الكاتبة القارئ بصرف النظر عن جنسه ليجول في عالم المرأة النفسي، من خلال حكاياتها الواقعية، يقرأ أفكارها، يحمل تصوراتها، ويذهب معها في هواجسها ترسم القاصة شخصياتها بدقة، وتتماهى فيها ويتماهون فيها فتنشأ تلك العلاقة التي تقنع القارئ بالوجود الحقيقي لتلك الشخصيات المرسومة من واقع الحياة. تمثل تلك الشخصيات أدوارها بدقة متناهية يساعدها على ذلك تلك العبارات الرائعة التي تصوغ وببراعة حركات النفس ودواخلها. لن تقف وعند دخولك وكقارئ عالم قصص هيفاء بيطار كمتفرج، بل إنك ستضحي واحداً من تلك الشخصيات، متفاعلاً حيناً، مترقباً أحياناً، إلا أنك وفي كل الأحوال ستمضي مع الحكاية إلى النهاية بشغف ودون توان.

تعليقات مضافه من الاشخاص

كتب لنفس المؤلف