الحافـظ شمس الدين أبي عبد الله محمد الذهبي

"شمس الدين الذهبي" محدث وإمام حافظ. جمع بين ميزتين لم يجتمعا إلا للأفذاذ القلائل في تاريخنا، فهو يجمع إلى جانب الإحاطة الواسعة بالتاريخ الإسلامي حوادث ورجالاً، المعرفة الواسعة بقواعد الجرح والتعديل للرجال، فكان وحده مدرسة قائمة بذاتها.ولد "أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي" في كفر بطنا قرب مدينة دمشق في ربيع الآخر 673 هـ الموافق لشهر أكتوبر 1274م. نشأ في أسرة كريمة تركية الأصل سكنت مدينة ميافارقين من أشهر مدن ديار بكر، ويبدو أن جد أبيه "قايماز" قضى حياته فيها. يعمل والده في صناعة الذهب، فبرع هو أيضا فيه وتميز حتى عُرف ب"الذهبي"، كما عرف عنه رحمه الله صلاحه و زهده وحبه للعلم. وفي سن مبكرة انضم الإمام "الذهبي" رحمه الله إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم حتى حفظه وأتقن تلاوته. ثم اتجهت عنايته لما بلغ مبلغ الشباب إلى تعلم القراءات وهو في الثامنة عشرة من عمره، فتتلمذ على شيوخ الإقراء في زمانه.في الوقت الذي كان رحمه الله يتلقى فيه القراءات مال "الذهبي" إلى سماع الحديث، الذي ملك عليه نفسه، فاتجه إليه، واستغرق وقته، ولازم شيوخه، وبدأ رحلته الطويلة في طلبه.كانت رحلات الإمام "الذهبي" رحمه الله الأولى داخل البلاد الشامية فنزل بعلبك سنة 693 هـ الموافقة لسنة 1293م، وروى عن شيوخها، ثم رحل إلى حلب وحماة وطرابلس والكرك ونابلس والرملة والقدس، ثم رحل إلى مصر سنة 695 هـ الموافقة لسنة 1295م, وسمع من شيوخها الكبار، وذهب إلى الإسكندرية فسمع من شيوخها، وقرأ على بعض قرائها المتقنين القرآن بروايتي "ورش" و"حفص"، ثم عاد إلى دمشق.وفي سنة 698 هـ الموافقة لسنة 1298م رحل الإمام "الذهبي" رحمه الله إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ، وكان يرافقه في هذه الرحلة جمع من شيوخه وأقرانه، وانتهز فرصة وجوده هناك فسمع الحديث من شيوخ مكة والمدينة.بعد أن أنهى الإمام "الذهبي" رحمه الله رحلاته في طلب العلم والاخذ عن ما يزيد عن الألف من العلماء، اتجه إلى التدريس وعقد حلقات العلم لتلاميذه، وانغمس في التأليف والتصنيف، وبدأت حياته العلمية في قرية "كفر بطنا" بغوطة دمشق حيث تولى الخطابة في مسجدها سنة 703 هـ الموافقة لسنة 1303م.يعتبر" الإمام الذهبي" رحمه الله من العلماء الذين دخلوا ميدان التاريخ من باب الحديث النبوي الشريف وعلومه، وظهر ذلك في عنايته الفائقة بالتراجم التي صارت أساس كثير من كتبه ومحور تفكيره التاريخي.ظل الإمام "الذهبي" رحمه الله موفور النشاط يقوم بالتدريس في خمس مدارس للحديث في دمشق، ويواصل التأليف حتى كلّ بصره في أخر حياته، حتى فقد الإبصار تماماً، ومكث على هذا الحال حتى تُوفي رحمة الله عليه ليلة الإثنين 3 ذو القعدة 748 هـ الموافق لـ 4 فبراير 1348م. )

كتب للمؤلف
;